الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} أي يقولون ذلك: اكشف عنا العذاب فـ }إنا مؤمنون}؛ أي نؤمن بك إن كشفته عنا. قيل: إن قريشا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن كشف الله عنا هذا العذاب أسلمنا، ثم نقضوا هذا القول. قال قتادة}العذاب}هنا الدخان. وقيل: الجوع؛ حكاه النقاش. قلت: ولا تناقض؛ فإن الدخان لم يكن، إلا من الجوع الذي أصابهم؛ على ما تقدم. وقد يقال للجوع والقحط: الدخان؛ ليبس الأرض في سنة الجدب وارتفاع الغبار بسبب قلة الأمطار؛ ولهذا يقال لسنة الجدب: الغبراء. وقيل: إن العذاب هنا الثلج. قال الماوردي: وهذا لا وجه له؛ لأن هذا إنما يكون في الآخرة أو في أهل مكة، ولم تكن مكة من بلاد الثلج؛ غير أنه مقول فحكيناه. {أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين، ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} قوله تعالى}أنى لهم الذكرى}أي من أين يكون لهم التذكر والاتعاظ عند حلول العذاب. }وقد جاءهم رسول مبين}يبين لهم الحق، والذكرى والذكر واحد؛ قاله البخاري. }ثم تولوا عنه}أي أعرضوا. قال ابن عباس: أي متى يتعظون والله أبعدهم من الاتعاظ والتذكر بعد توليهم عن محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم إياه. وقيل: أي أنى ينفعهم قولهم}إنا مؤمنون}بعد ظهور العذاب غدا أو بعد ظهور أعلام الساعة، فقد صارت المعارف ضرورية. وهذا إذا جعلت الدخان آية مرتقبة. }وقالوا معلم مجنون}أي علمه بشر أو علمه الكهنة والشياطين، ثم هو مجنون وليس برسول. {إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} قوله تعالى}إنا كاشفوا العذاب قليلا}أي وقتا قليلا، وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليلا؛ أي في زمان قليل ليعلم أنهم لا يفون بقولهم، بل يعودون إلى الكفر بعد كشفه؛ قال ابن مسعود. فلما كشف ذلك عنهم باستسقاء النبي صلى لهم الله عليه وسلم عادوا إلى تكذيبه. ومن قال: إن الدخان منتظر قال: أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية من آيات قيام الساعة. ثم من قضي عليه بالكفر يستمر على كفره. ومن قال هذا في القيامة قال: أي لو كشفنا عنكم العذاب لعدتم إلى الكفر. وقيل: معنى }إنكم عائدون}إلينا؛ أي مبعوثون بعد الموت. وقيل: المعنى }إنكم عائدون}إلى نار جهنم إن لم تؤمنوا. {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} قوله تعالى}يوم}محمول على ما دل عليه }منتقمون}؛ أي ننتقم منهم يوم نبطش. وأبعده بعض النحويين بسبب أن ما بعد }إن}لا يفسر ما قبلها. وقيل: إن العامل فيه }منتقمون}. وهو بعيد أيضا؛ لأن ما بعد }إن}لا يعمل فيما قبلها. ولا يحسن تعلقه بقوله}عائدون}ولا بقوله}إنا كاشفوا العذاب}؛ إذ ليس المعنى عليه. ويجوز نصبه بإضمار فعل؛ كأنه قال: ذكرهم أو أذكر. ويجوز أن يكون المعنى فإنهم عائدون، فإذا عدتم أنتقم منكم يوم نبطش البطشة الكبرى. ولهذا وصل هذا بقصة فرعون، فإنهم وعدوا موسى الإيمان إن كشف عنهم العذاب، ثم لم يؤمنوا حتى غرقوا. وقيل}إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون}كلام تام. ثم ابتدأ}يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}أي ننتقم من جميع الكفار. وقيل: المعنى وارتقب الدخان وارتقب يوم نبطش، فحذف واو العطف؛ كما تقول: اتق النار اتق العذاب. و}البطشة الكبرى}في قول ابن مسعود: يوم بدر. وهو قول ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد والضحاك. وقيل: عذاب جهنم يوم القيامة؛ قال الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا، واختاره الزجاج. وقيل: دخان يقع في الدنيا، أوجوع أو قحط يقع قبل يوم القيامة. الماوردي: ويحتمل أنها قيام الساعة؛ لأنها خاتمة: بطشاته في الدنيا. ويقال: انتقم الله منه؛ أي عاقبه. والاسم منه النقمة والجمع النقمات. وقيل بالفرق بين النقمة والعقوبة؛ فالعقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة. والنقمة قد تكون قبلها؛ قال ابن عباس. وقيل: العقوبة ما تقدرت والانتقام غير مقدر. {ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم} أي ابتليناهم. ومعنى هذه الفتنة والابتلاء الأمر بالطاعة. والمعنى عاملناهم معاملة المختبر ببعثة موسى إليهم فكذبوا فأهلكوا؛ فهكذا أفعل بأعدائك يا محمد إن لم يؤمنوا. وقيل: فتناهم عذبناهم بالغرق. وفي الكلام تقديم وتأخير؛ والتقدير: ولقد جاء آل فرعون رسول كريم وفتناهم، أي أغرقناهم؛ لأن الفتنة كانت بعد مجيء الرسول. والواو لا ترتب. ومعنى }كريم}أي كريم في قومه. وقيل: كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح. وقال الفراء: كريم على ربه إذ اختصه بالنبوة وإسماع الكلام. {أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين، وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين} قوله تعالى}أن أدوا إلي عباد الله}قال ابن عباس: المعنى جاءهم فقال: اتبعوني. فـ }عباد الله}منادى. وقال مجاهد: المعنى أرسلوا معي عباد الله وأطلقوهم من العذاب. فـ }عباد الله}على هذا مفعول. وقيل: المعنى أدوا إلي سمعكم حتى أبلغكم رسالة ربي. }إني لكم رسول أمين}أي أمين على الوحي فأقبلوا نصحي. وقيل: أمين على ما أستأديه منكم فلا أخون فيه. }وأن لا تعلوا على الله}أي لا تتكبروا عليه ولا ترتفعوا عن طاعته. وقال قتادة: لا تبغوا على الله. ابن عباس: لا تفتروا على الله. والفرق بين البغي والافتراء: أن البغي بالفعل والافتراء بالقول. وقال ابن جريج: لا تعظموا على الله. يحيى بن سلام: لا تستكبروا على عبادة الله. والفرق بين التعظيم والاستكبار: أن التعظيم تطاول المقتدر، والاستكبار ترفع المحقر؛ ذكره الماوردي }إني آتيكم بسلطان مبين}قال قتادة: بعذر بين. وقال يحيى بن سلام بحجة بينة. والمعنى واحد؛ أي برهان بين. {وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون} كأنهم توعدوه بالقتل فاستجار بالله. قال قتادة}ترجمون}بالحجارة. وقال ابن عباس: تشتمون؛ فتقولوا ساحر كذاب. وأظهر الذال من }عذت}نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب. وأدغم الباقون. والإدغام طلبا للتخفيف، والإظهار على الأصل. ثم قيل: إني عذت بالله فيما مضى؛ لأن الله وعده فقال {وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون} قوله تعالى}وإن لم تؤمنوا لي}أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل برهاني؛ فاللام في }لي}لام أجل. وقيل: أي وإن لم تؤمنوا بي؛ كقوله {فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون} قوله تعالى}فدعا ربه}فيه حذف؛ أي فكفروا فدعا ربه. }أن هؤلاء}بفتح }أن}أي بأن هؤلاء. }قوم مجرمون}أي مشركون، قد امتنعوا من إطلاق بنى إسرائيل ومن الإيمان. {فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون} قوله تعالى}فأسر بعبادي ليلا}أي فأجبنا دعاءه وأوحينا إليه أن أسر بعبادي؛ أي بمن آمن بالله من بني إسرائيل. }ليلا}أي قبل الصباح }إنكم متبعون}وقرأ أهل الحجاز }فأسر}بوصل الألف. وكذلك ابن كثير؛ من سرى. الباقون }فأسر}بالقطع؛ من أسرى. وقد تقدم. وتقدم خروج فرعون وراء موسى في }البقرة والأعراف وطه والشعراء ويونس}وإغراقه وإنجاء موسى}؛ فلا معنى للإعادة. أمر موسى عليه السلام بالخروج ليلا. وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف، والخوف يكون بوجهين: إما من العدو فيتخذ الليل سترا مسدلا؛ فهو من أستار الله تعالى. وإما من خوف المشقة على الدواب والأبدان بحر أو جدب، فيتخذ السرى مصلحة من ذلك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسري ويدلج ومترفق ويستعجل، بحسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة. "وفي الصحيح "عن النبي صلى الله عليه وسلم: {واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون} قال ابن عباس}رهوا}أي طريقا. وقال كعب والحسن. وعن ابن عباس أيضا سمتا. الضحاك والربيع: سهلا. عكرمة: يبسا، لقوله}فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا}وقيل: مفترقا. مجاهد: منفرجا. وعنه يابسا. وعنه ساكنا، وهو المعروف في اللغة. وقاله قتادة والهروي. وقال غيرهما: منفرجا. وقال ابن عرفة: وهما يرجعان إلى معنى واحد وإن اختلف لفظاهما، لأنه إذا سكن جريه انفرج. وكذلك كان البحر يسكن جريه وانفرج لموسى عليه السلام. والرهو عند العرب: الساكن، يقال: جاءت الخيل رهوا، أي ساكنة. قال: الجوهري: ويقال أفعل ذلك رهوا، أي ساكنا على هينتك. وعيش راه، أي ساكن رافه. وخمس راه، إذا كان سهلا. ورها البحر أي سكن. وقال أبو عبيد: رها بين رجليه يرهو رهوا أي فتح، ومنه قوله تعالى}واترك البحر رهوا}: السير السهل، يقال: جاءت الخيل رهوا. قال ابن الأعرابي: رها يرهو في السير أي رفق. قال القطامي في نعت الركاب: والرهو والرهوة: المكان المرتفع، والمنخفض أيضا يجتمع فيه الماء، وهو من الأضداد. وقال أبو عبيد: الرهو: الجوبة تكون في محلة القوم يسيل فيها ماء المطر وغيره. وفي الحديث أنه قضى أن {كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين} قوله تعالى}كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم}}كم}للكثير. وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية. }ونعمة كانوا فيها فاكهين}النعمة بالفتح التنعيم، يقال: نعمه الله وناعمه فتنعم. وامرأة منعمة ومناعمة، بمعنى. والنعمة بالكسر: اليد والصنيعة والمنة وما أنعم به عليك. وكذلك النعمى. فإن فتحت النون مددت وقلت: النعماء. والنعيم مثله. وفلان واسع النعمة، أي واسع المال؛ جميعه عن الجوهري. وقال ابن عمر: المراد بالنعمة نيل مصر. ابن لهيعة: الفيوم. ابن زياد: أرض مصر لكثرة خيرها. وقيل: ما كانوا فيه من السعة والدعة. وقد يقال: نعمة ونعمة بفتح النون وكسرها، حكاه الماوردي. قال: وفي الفرق بينهما وجهان: أحدهما: أنها بكسر النون في الملك، وبفتحها في البدن والدين، قاله النضير بن شميل. الثاني: أنها بالكسر من المنة وهو الإفضال والعطية؛ وبالفتح من التنعيم وهو سعة العيش والراحة؛ قال ابن زياد. قلت: هذا الفرق هو الذي وقع في الصحاح وقد ذكرناه. وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو الأشهب والأعرج وأبو جعفر وشيبة }فكهين}بغير ألف، ومعناه أشرين بطرين. قال الجوهري: فكة الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طب النفس مزاحا. والفكه أيضا الأشر البطر. وقرئ }ونعمة كانوا فيها فكهين}أي أشرين بطرين. و}فاكهين}أي ناعمين. القشيري}فاكهين}لاهين مازحين، يقال: إنه لفاكه أي مزاج. وفيه فكاهة أي مزح. الثعلبي: وهما لغتان كالحاذر والحذر، والفاره والفره. وقيل: إن الفاكه هو المستمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الآكل بأنواع الفاكهة. والفاكهة: فضل عن القوت الذي لا بد منه. {كذلك وأورثناها قوما آخرين} قال الزجاج: أي الأمر كذلك؛ فيوقف على }كذلك}. وقيل: إن الكاف في موضع نصب، على تقدير نفعل فعلا كذلك بمن نريد إهلاكه. وقال الكلبي}كذلك}أفعل بمن عصاني. وقيل}كذلك}كان أمرهم فأهلكوا. }وأورثناها قوما آخرين}يعني بنى إسرائيل، ملكهم الله تعالى أرض مصر بعد أن كانوا فيها مستعبدين، فصاروا لها وارثين؛ لوصول ذلك إليهم كوصول الميراث. ونظيره {فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين} قوله تعالى}فما بكت عليهم السماء والأرض}أي لكفرهم. }وما كانوا منظرين}أي مؤخرين بالغرق. وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم: بكت له السماء والأرض؛ أي عمت مصيبته الأشياء حتى بكته السماء والأرض والريح والبرق، وبكته الليالي الشاتيات. قال الشاعر: وقال آخر: وقالت الخارجية: وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه. والمعنى أنهم هلكوا فلم تعظم مصيبتهم ولم يوجد لهم فقد. وقيل: في الكلام إضمار، أي ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة؛ كقوله تعالى قلت: وذكر أبو نعيم محمد بن معمر قال: حدثنا أبو شعيب الحراني قال حدثنا يحيى بن عبدالله قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني عطاء الخراساني قال: ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت. وقيل: بكاؤهما حمرة أطرافهما؛ قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعطاء والسدي والترمذي محمد بن علي وحكاه عن الحسن. قال السدي: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السماء؛ وبكاؤها حمرتها. وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال: لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما احمر له آفاق السماء أربعة أشهر. قال يزيد: واحمرارها بكاؤها. وقال محمد بن سيرين: أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما. وقال سليمان القاضي: مطرنا دما يوم قتل الحسين. قلت: قلت: والقول الأول أظهر؛ إذ لا استحالة في ذلك. وإذا كانت السماوات والأرض تسبح وتسمع وتتكلم كما بيناه في }الإسراء ومريم وحم فصلت}فكذلك تبكي، مع ما جاء من الخبر في ذلك والله أعلم بصواب هذه الأقوال. {ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين، من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين} يعني ما كانت القبط تفعل بهم بأمر فرعون، من قتل الأبناء واستخدام النساء، واستعبادهم إياهم وتكلفهم الأعمال الشاقة. }من فرعون}بدل من }العذاب المهين}فلا تتعلق }من}بقوله}من العذاب}لأنه قد وصف، وهو لا يعمل بعد الوصف عمل الفعل. وقيل: أي أنجيناهم من العذاب ومن فرعون. }إنه كان عاليا من المسرفين}أي جبارا من المشركين. وليس هذا علو مدح بل هو علو في الإسراف. كقوله {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} قوله تعالى}ولقد اخترناهم}يعني بني إسرائيل. }على علم}أي على علم منا بهم لكثرة الأنبياء منهم. }على العالمين}أي عالمي زمانهم، بدليل قوله لهذه الأمة {وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين} قوله تعالى}وآتيناهم من الآيات}أي من المعجزات لموسى. }ما فيه بلاء مبين}قال قتادة: الآيات إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر لهم، وتظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى. ويكون هذا الخطاب متوجها إلى بني إسرائيل. وقيل: إنها العصا واليد. ويشبه أن يكون قول الفراء. ويكون الخطاب متوجها إلى قوم فرعون. وقول ثالث: إنه الشر الذي كفهم عنه والخبر الذي أمرهم به؛ قال عبدالرحمن بن زيد. ويكون الخطاب متوجها إلى الفريقين معا من قوم فرعون وبني إسرائيل. وفي قوله}بلاء مبين}أربعة أوجه: أحدها: نعمة ظاهرة؛ قال الحسن وقتادة. كما قال الله تعالى الثاني: عذاب شديد؛ قاله الفراء. الثالث: اختبار يتميز به المؤمن من الكافر؛ قاله عبدالرحمن بن زيد. وعنه أيضا: ابتلاؤهم بالرخاء والشدة؛ ثم قرأ {إن هؤلاء ليقولون، إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين، فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} قوله تعالى}إن هؤلاء ليقولون}يعني، كفار قريش }إن هي إلا موتتنا الأولى}ابتداء وخبر؛ مثل {أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين، وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون} قوله تعالى}أهم خير أم قوم تبع}هذا استفهام إنكار؛ أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب؛ إذ ليسوا خيرا من قوم تبع والأمم المهلكة، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء. وقيل: المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالا أم قوم تبع. وقيل: أهم أعز وأشد وأمنع أم قوم تبع. وليس المراد بتبع رجلا واحدا بل المراد به ملوك اليمن؛ فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة. فتبع لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين، وكسرى للفرس، وقيصر للروم. وقال أبو عبيدة: سمي كل واحد منهم تباعا لأنه يتبع صاحب. قال الجوهري: والتبابعة ملوك اليمن، واحدهم تبع. والتبع أيضا الظل؛ وقال: والتبع أيضا ضرب من الطير. وقال السهيلي: تبع اسم لكل ملك ملك اليمن والشحر وحضرموت. وإن ملك اليمن وحدها لم يقل له تبع؛ قاله المسعودي. فمن التبابعة: الحارث الرائش وهو ابن همال ذي سدد. وأبرهة ذو المنار. وعمرو ذو الأذعار. وشمر بن مالك، الذي تنسب إليه سمرقند. وأفريقيس بن قيس، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان، وبه سميت إفريقية. والظاهر من الآيات: أن الله سبحانه إنما أراد واحدا من هؤلاء، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشد من معرفة غيره؛ ولذلك فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حفر قبر له بصنعاء - ويقال بناحية حمير - في الإسلام، فوجد فيه امرأتان صحيحتان، وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب }هذا قبر حُبَّى ولميس}ويروى أيضا}حبي وتماضر}ويروى أيضا}هذا قبر رضوي وقبر حب ابنتا تبع، ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به شيئا؛ وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما}. قلت: و"روى ابن إسحاق وغيره" أنه كان في الكتاب الذي كتبه: (أما بعد، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك، وأنا على دينك وسنتك، وآمنت بربك ورب كل شيء، وآمنت بكل ما جاء من ربك من شرائع الإسلام؛ فإن أدركتك فبها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة، فإني من أمتك الأولين وبايعتك قبل مجيئك، وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام}. ثم ختم الكتاب ونقش عليه واختلف هل كان نبيا أو ملكا؛ فقال ابن عباس: كان تبع نبيا. وقال كعب: كان تبع ملكا من الملوك، وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من أهل الكتاب، فأمر الفريقين أن يقرب كل فريق منهم قربانا ففعلوا، فتقبل قربان أهل الكتاب فأسلم، وقالت عائشة رضي الله عنها: لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا. وحكى قتادة أن تبعا كان رجلا من حمير، سار بالجنود حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها؛ حكاه الماوردي. وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحميري، وكان سار بالجنود حتى عبر الحيرة. وبنى سمرقند وقتل وهدم البلاد. وقال الكلبي: تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب، وإنما سمي تبعا لأنه تبع من قبله. وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت الحبرات. وقال كعب: ذم الله قومه ولم يذمه، وضرب بهم لقريش مثلا لقربهم من دارهم وعظمهم في نفوسهم؛ فلما أهلكهم الله تعالى ومن قبلهم - لأنهم كانوا مجرمين - كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك. وافتخر أهل اليمن بهذه الآية، إذ جعل الله قوم تبع خيرا من قريش. وقيل: سمي أولهم تبعا لأنه أتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر. قوله تعالى}والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين}}الذين}في موضع رفع عطف على }قوم تبع}. }أهلكناهم}صلته. ويكون }من قبلهم}متعلقا به. ويجوز أن يكون }من قبلهم}صلة }الذين}ويكون في الظرف عائد إلى الموصول. وإذا كان كذلك كان }أهلكناهم}على أحد أمرين: إما أن يقدر معه }قد}فيكون في موضع الحال. أو يقدر حذف موصوف؛ كأنه قال: قوم أهلكناهم. والتقدير أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء المذكورين قدرنا على إهلاك المشركين. ويجوز أن يكون }والذين من قبلهم}ابتداء خبره }أهلكناهم}. ويجوز أن يكون }الذين}في موضع جر عطفا على }تبع}كأنه قال: قوم تبع المهلكين من قبلهم. ويجوز أن يكون }الذين}في موضع نصب بإضمار فعل دل عليه }أهلكناهم}. والله أعلم. قوله تعالى}وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين}أي غافلين، قاله مقاتل. وقيل: لاهين؛ وهو قول الكلبي. }ما خلقناهما إلا بالحق}أي إلا بالأمر الحق؛ قاله مقاتل. وقيل: إلا للحق؛ قال الكلبي والحسن. وقيل: إلا لإقامة الحق لإظهاره من توحيد الله والتزام طاعته. وقد مضى هذا المعنى في }الأنبياء}. }ولكن أكثرهم}يعني أكثر الناس }لا يعلمون}ذلك. {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين} قوله تعالى}يوم الفصل}هو يوم القيامة؛ وسمي بذلك لأن الله تعالى يفصل فيه بين خلقه دليله قوله {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون، إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم} قوله تعالى}يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا}}يوم}بدل من }يوم}الأول. والمولى: الولي وهو ابن العم والناصر. أي لا يدفع ابن عم عن ابن عمه، ولا قريب عن قريبه، ولا صديق عن صديقه. }ولا هم ينصرون}أي لا ينصر المؤمن الكافر لقرابته. ونظير هذه الآية {إن شجرة الزقوم، طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم} قوله تعالى}إن شجرة الزقوم}كل ما في كتاب الله تعالى من ذكر الشجرة فالوقف عليه بالهاء؛ إلا حرفا واحدا في صورة الدخان }إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم}؛ قاله ابن الأنباري. }الأثيم}الفاجر؛ قاله أبو الدرداء. وكذلك قرأ هو وابن مسعود. وقال همام بن الحارث: كان أبو الدرداء يقرئ رجلا }إن شجرة الزقوم طعام الأثيم}والرجل يقول: طعام اليتيم، فلما لم يفهم قال له}طعام الفاجر}. قال أبو بكر الأنباري: حدثني أبي قال حدثنا نصر قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا نعيم بن حماد عن عبدالعزيز بن محمد عن ابن عجلان عن عون بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال: علم عبدالله بن مسعود رجلا }أن شجرة الزقوم. طعام الأثيم}فقال الرجل: طعام اليتيم، فأعاد عليه عبدالله الصواب وأعاد الرجل الخطأ، فلما رأى عبدالله أن لسان الرجل لا يستقيم على الصواب قال له: أما تحسن أن تقول طعام الفاجر ؟ قال بلى، قال فافعل. ولا حجة في هذا للجهال من أهل الزيغ، أنه يجوز إبدال الحرف من القرآن بغيره، لأن ذلك إنما كان من عبدالله تقريبا للمتعلم، وتوطئة منه له للرجوع إلى الصواب، واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال الله وحكاية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الزمخشري}وبهذا يستدل على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي أن يؤدي القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا. قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة؛ لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه، من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر. وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية}. وشجرة الزقوم: الشجرة التي خلقها الله في جهنم وسماها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجؤوا إليها فأكلوا منها، فغليت في بطونهم كما يغلي الماء الحار. وشبه ما يصير منها إلى بطونهم بالمهل، وهو النحاس المذاب. وقراءة العامة }تغلي}بالتاء حملا على الشجرة. وقرأ ابن كثير وحفص وابن محيصن ورويس عن يعقوب }يغلي}بالياء حملا على الطعام؛ وهو في معنى الشجرة. ولا يحمل على المهل لأنه ذكر للتشبيه. و}الأثيم}الآثم؛ من أثم يأثم إثما؛ قال القشيري وابن عيسى. وقيل هو المشرك المكتسب للإثم؛ قاله يحيى بن سلام. وفي الصحاح: قد أثم الرجل بالكسر إثما ومأثما إذا وقع في الإثم، فهو آثم وأثيم وأثوم أيضا. فمعنى }طعام الأثيم}أي ذي الإثم الفاجر، وهو أبو جهل. وذلك أنه قال: يعدنا محمد أن في جهنم الزقوم، وإنما هو الثريد بالزبد والتمر، فبين الله خلاف ما قاله. وحكى النقاش عن مجاهد أن شجرة الزقوم أبو جهل. قلت: وهذا لا يصح عن مجاهد. وهو مردود بما ذكرناه في هذه الشجرة في سورة }الصافات والإسراء}أيضا {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم} قوله تعالى}خذوه}أي يقال للزبانية خذوه؛ يعني الأثيم. }فاعتلوه}أي جروه وسوقوه. والعتل: أن تأخذ بتلابيب الرجل فتعتله، أي تجره إليك لتذهب به إلى حبس أو بلية. عتلت الرجل أعتله وأعتله عتلا إذا جذبته جذبا عنيفا. ورجل، معتل بالكسر . وقال يصف فرسا: وفيه لغتان؛ عتله وعتنه باللام والنون جميعا قاله ابن السكيت. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو }فاعتلوه}بالكسر. وضم الباقون. }إلى سواء الجحيم}وسط الجحيم. }ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم}قال مقاتل: يضرب مالك خازن النار ضربة. على رأس أبي جهل بمقمع من حديد، فيتفتت رأسه عن دماغه، فيجري دماغه عل جسده، ثم يصب الملك فيه ماء حميما قد انتهى حره فيقع في بطنه؛ فيقول الملك: ذق العذاب. ونظيره {ذق إنك أنت العزيز الكريم، إن هذا ما كنتم به تمترون} قوله تعالى}ذق إنك أنت العزيز الكريم}قال ابن الأنباري: أجمعت العوام على كسر }إن}وروي عن الحسن عن علي رحمه الله }ذق أنك}بفتح }أن}، وبها قرأ الكسائي. فمن كسر }إن}وقف على ذق}. ومن فتحها لم يقف على }ذق}؛ لأن المعنى ذق لأنك وبأنك أنت العزيز الكريم. قال قتادة: نزلت في أبي جهل وكان قد قال: ما فيها أعز مني ولا أكرم؛ فلذلك قيل له}ذق إنك أنت العزيز الكريم}. {إن المتقين في مقام أمين، في جنات وعيون، يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين} قوله تعالى}إن المتقين في مقام أمين}لما ذكر مستقر الكافرين وعذابهم ذكر نزل المؤمنين ونعيمهم. وقرأ نافع وابن عامر }في مقام}بضم الميم. الباقون بالفتح. قال الكسائي: المقام المكان، والمقام الإقامة، كما قال: قال الجوهري: وأما المقام والمقام فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم، لأن الفعل إذا جاوز الثلاث فالموضع مضموم الميم، لأنه مشبه ببنات الأربعة، نحو دحرج وهذا مدحرجنا. وقيل: المقام بالفتح المشهد والمجلس، و بالضم يمكن أن يراد به المكان، ويمكن أن يكون مصدرا ومقدر فيه المضاف، أي في موضع إقامة. }أمين}يؤمن فيه من الآفات }في جنات وعيون}بدل }من مقام أمين}. }يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين}لا يرى بعضهم قفا بعض، متواجهين يدور بهم مجلسهم حيث داروا. والسندس: ما رق من الديباج. والإستبرق: ما غلظ منه. وقد مضى في}الكهف}. {كذلك وزوجناهم بحور عين} قوله تعالى}كذلك}أي الأمر كذلك الذي ذكرناه. فيوقف على }كذلك}. وقيل: أي كما أدخلناهم الجنة وفعلنا بهم ما تقدم ذكره، كذلك أكرمناهم بأن قوله تعالى}وزوجناهم بحور عين}وقد مضى الكلام في العين في }والصافات}. والحور: البيض؛ في قول قتادة والعامة، جمع حوراء. والحوراء: البيضاء التي يرى ساقها من وراء ثيابها، ويرى الناظر وجهه في كعبها؛ كالمرآة من دقة الجلد وبضاضة البشرة وصفاء اللون. ودليل، هذا التأويل أنها في حرف ابن مسعود }بعيس عين}. وذكر أبو بكر الأنباري أخبرنا أحمد بن الحسين قال حدثنا قال حدثنا عمار بن محمد قال: صليت خلف منصور بن المعتمر فقرأ في }حم}الدخان }بعيس عين. لا يذوقون طعم الموت إلا الموتة الأولى }. والعيس: البيض؛ ومنه قيل للإبل البيض: عيس، واحدها بعير أعيس وناقة عيساء. قال امرؤ القيس: فمعنى الحور هنا: الحسان الثاقبات البياض بحسن. وذكر ابن المبارك أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود قال: إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم، ومن تحت سبعين حلة، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء. وقال مجاهد: إنما سميت الحور حورا لأنهن يحار الطرف في حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن. وقيل: إنما قيل لهن حور لحور أعينهن. والحور: شدة بياض العين في شدة سوادها. امرأة حوراء بينة الحور. يقال: أحورت عينه أحورارا. والحور الشيء ابيض. قال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين ؟ وقال أبو عمرو: الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر. قال: وليس في بني آدم حور؛ وإنما قيل للنساء: حور العين لأنهن يشبهن بالظباء والبقر. وقال العجاج: يعني الأعين النقيات البياض الشديدات سواد. الحدق. والعين جمع عيناء؛ وهي الواسعة العظيمة العينين. واختلف أيما أفضل في الجنة؛ نساء الآدميات أم الحور ؟ فذكر ابن المبارك قال: وأخبرنا رشدين عن ابن أنعم عن حبان بن أبي جبلة قال: إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا. {يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} قال قتادة}آمنين}من الموت والوصب والشيطان. وقيل: آمنين من انقطاع ما هم فيه من النعيم، أو من أن ينالهم من أكلها أذى أو مكروه. {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم، فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم} قوله تعالى}لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}أي لا يذوقون فيها الموت البتة لأنهم خالدون فيها. ثم قال}إلا الموتة الأولى}على الاستثناء المنقطع؛ أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا. وأنشد سيبويه: ثم استثنى بما ليس من الأول فقال: وقيل: إن }إلا}بمعنى بعه؛ كقولك: ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك، أي بعد رجل عندك. وقيل}إلا}بمعنى سوى، أي سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا، كقوله تعالى {فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون، فارتقب إنهم مرتقبون} قوله تعالى}فإنما يسرناه بلسانك}يعني القرآن، أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه لعلهم يتذكرون أي يتعظون وينزجرون. ونظيره أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت؛ حكاه النقاش. وقيل: انتظر الفتح من ربك إنهم منتظرون بزعمهم قهرك. وقيل: انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم فإنهم ينتظرون بك ريب الحدثان. والمعنى متقارب. وقيل: ارتقب ما وعدتك من الثواب فإنهم كالمنتظرين لما وعدتهم من العقاب. وقيل: ارتقب يوم القيامة فإنه يوم الفصل، وإن لم يعتقدوا وقوع القيامة، جعلوا كالمرتقبين لأن عاقبتهم ذلك. والله تعالى أعلم.
|